مقدمة
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن البورصة، وأصبح عالم البورصة موضوعاً يحظي باهتمام بالغ في جميع دول العالم، واهتمت جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بالحديث عن هذا العالم، وأصبحت هناك مساحة في الأخبار اليومية لما يحدث في البورصة، وقنوات عديدة على الفضائيات تناقش أوضاعها وما يحدث بها ويتابع تطورها عالمياً ومحلياً .
وفرض عالم البورصة نفسه علينا، وأصبح الحاضر الدائم بيننا، في أحاديثنا أثناء العمل أو بعده، في بيوتنا، في جلساتنا، حتى في أجازاتنا، مَن في البورصة أو خارجها يسأل عن أسرار هذا العالم، فلقد قربت البورصة بين الناس وجعلت هناك حواراً مشتركاً بينهم بعد أن فرقهم العديد من المتغيرات في المجتمع، فأنت حينما تذهب إلي أي مكان اليوم ستجد أن هناك شخصاً واحداً علي الأقل يستثمر في البورصة، يتكلم عما حدث فيها، وعن أسهمه وما حدث لها، وينجذب إليه آخرون ويتبادلون الآراء ويتناقشون .
داعبت البورصة أحلام المواطنين حتى البسطاء منهم، وشغلت بالهم وأوقاتهم، وأصبح هناك "الحلم البورصجى"، حلم الثراء السريع والملايين السهلة، وجذب هذا العالم فئات مختلفة من الشعب المصري من محدودي الدخل من الطبقات الوسطي والطبقات الدنيا، وانتشرت حُمى المضاربة في البورصة بين أفراد لم يحلموا بدخول هذا المجال الذي كان قاصراً في ثقافتنا التقليدية علي كبار الأثرياء من مُلاك الأراضي وأصحاب المصانع،
وبدأ تدوير المدخرات الصغيرة في البورصة التي باتت تُمثل بديلاً أفضل من أوعية الادخار المصرفية المتعارف عليها التي لا تحقق حلم الثراء .و لكن دخول هذه الطبقات بأموالها (و هي ما يطلق عليها أموال الغلابة) للبورصة بدون أية ثقافة عن تحركات البورصة انخفاضاً وارتفاعاً، وبدون أية ثقافة أو معرفة علمية بالتحليل الاقتصادي للشركات التي يدخلون للاستثمار فيها وشراء أسهمها، أو لماهية هذه الأوراق المالية المتداولة في البورصة، أو بدون حتى معرفة لحقوقهم لدى الأطراف المسئولة عن إدارة هذا العالم، كل ذلك أدى إلى كارثة مالية لهم، ففقد الكثير منهم أمواله التي يملكها وحتى التي لم يملكها واقترضها، وأصبح الوضع خطيراً لا يمكن السكوت عليه، و لذا كان لزاماً علينا أن نتوقف هنا ونتكلم معاً، نحاول أن نفتح لك نافذة علي هذا العالم تتعرف منها على كل ما له وما عليه قبل الدخول فيه .
فلقد وجدت أن هناك الكثيرين الذين يحاولون الدخول إلى هذا العالم ولكن لا يدخلون أو يترددون، يعوقهم العديد من العوامل، منها الخوف سواء من الفشل أو من التجربة والخسارة كما حدث لغيرهم، ومنها عدم الدراية اللازمة للبداية الصحيحة، وعدم وجود الثقافة اللازمة للدخول، ومصداقية التعامل، والحيرة فيما إذا كان دخول البورصة حلال أم حرام، والأقاويل والفتاوى وغيره .. الخ .هؤلاء وقد تكون أنت منهم، إما علي الشط تكتفي بالفرجة على من فيه، أو أنك هناك في هذا العالم، تسبح معهم باحتراف، أو تحاول السباحة، أو تواجه الأمواج والدوامات وتحاول أن لا تغرق .
فعالم البورصة هذا فيه الكثير من العجب العجاب، فيه من يخسر كل ما يملك، وفيه من يكسب أكثر مما حلم، فيه من انتحر عندما خسر ماله، وفيه من أصبح أغني رجل في العالم، فيه شركات (تحت السلم .. بدأت كده) ثم صارت أسهمها تؤثر علي حركة السوق بأكمله، وفيه شركات عندما تزورها تشعر بالفخامة والعظمة كأنك تشاهد هرماً من أهرامات الجيزة، ومع ذلك سهمها لا يعبر عن هذه العظمة فيه شركات كان سهمها بـ 10 جنيهات، وفجأة أصبح السهم بأكثر من 500 جنيه في فترة لا تحسب من الزمن وبدون أسباب مقنعة، وأسهم كانت بـ 4 جنيهات صارت بـ 40 جنيهاً في أسابيع قليلة لأسباب طارئة وقد تكون مقنعة .عالم به الكثير من المفارقات، فهناك رجال الأعمال الذين يلعبون بالمليارات (لأن كلمة الملايين باتت موضة قديمة)، وهناك طبقة الأثرياء وتعاملاتهم في بورصتهم الخاصة جداً وطرقهم الخاصة جداً التي يديرون بها كل شيء لصالحهم فقط، وهناك رجالاً وسيدات اتخذوا من البورصة باباً للرزق وتعلموا أصول اللعبة ولعبوا وكسبوا، وهناك شباباً اتخذوها مهنة واحترفوها وكانت باباً لمستقبل باهر، وأصبحت حرفة المستقبل بالنسبة لهم، هناك الكثير الإيجابي الذي نراه، ولكن هناك أيضاً السلبي الذي سنتعرض له تفصيلياً .
فهناك من يحلم بالثراء ويظن أن باب "علي بابا" هو الآن باب الدخول للبورصة دون دراية أو علم أو حتى محاولة للتعلم، وهناك من لا يجد عملاً وقال أجرب دون أن يحاول حتى أن يقرأ، وبحث عن التوصيات السريعة وجرى علي البورصة، وهناك العديد والعديد ... ولكن ونحن علي الشط، أليس من الأفضل أولاً أن نتعلم العوم ؟قبل أن نقرر دخول عالم البورصة والإبحار معهم، نحاول أولاً أن نتثقف في هذا المجال، فقبل أن نبدأ اللعب والدخول قُدماً إلي هذا العالم، علي جميع اللاعبين في البورصة توقع الاتفاقات والمؤامرات التي تعتمد علي أن أي سباح يمكن أن يغرق إذا استولي عليه شعور الخوف في الماء، والذين غرقوا في بحر البورصة إما لأنهم لا يعرفون قواعد العوم أو لأنهم كانوا أكثر خوفاً .
إذن علينا هنا ليس فقط تعلم قواعد العوم، بل تعلم الغوص، وركوب الأمواج، والتنفس تحت الماء، واللعب مع الحيتان، ومصاحبة الدلافين، وحتى التكلم معهم، علينا فهم أبجديات اللعبة وحفظها جيداً، علينا محاولة فك طلاسم لغة هذا العالم.يجب أن نفهم معني البورصة، نشأتها، تكوينها، هيكلها، مفردات اللغة المستخدمة فيها، الألفاظ العلمية التي يعتمدون عليها، والألفاظ الدارجة والعامية التي يقولها "البورصجية"، حتى نفهم ما يدور بداخلها، نفهم أدواتها ويسهل علينا التعامل مع هذا العالم علي أساس علمي "و مش فهلوة وحظ زي ما بيقولوا"، علينا أن نفهم كيف نتعامل في البورصة، وكيف نكسب، وكيف نستثمر أموالنا لتُدر علينا عائداً مجزياً يساعدنا في معارك الحياة .
و لذا .. هيا نبدأ معاً رحلتنا إلي عالم البورصة، نتعلم العوم، نتعلم الصيد، نتعلم استخدام كافة الوسائل الممكنة اليدوية والإلكترونية، ونتدرب لتحقيق هدفنا في أن ننجح في هذا العالم .
سنبدأ من الصفر ..
● من استخدام الورقة والقلم لنتعلم كيف نشترى، وماذا نشترى، وبكم نشتري أو نبيع، ونتعلم حساب قيمة السهم الحقيقية، حساب نسبة الربح التي نريدها، واستخراج البيانات المالية الهامة التي نستخدمها لتقييم أداؤه، ومعرفة هل هذا السهم يستحق منا الدخول فيه وشراؤه، أم أنها لعبة من الكبار، حتى نصل معاً إلي استخدام الجداول الخاصة بذلك على الكمبيوتر لحسابها في أقل من الثانية وأنت أمام شاشة التداول .
● من استخدام الورقة والقلم لرسم شارت السهم وفهمه وقراءة ما يقوله لنا، حتى نصل إلى استخدام البرامج الفنية الخاصة على الكمبيوتر، واستخراج المؤشرات الفنية لتوقع حركته في المستقبل، ومعرفة ما يحدث وما سيحدث . هدفنا الوصول إلي المحطة الرئيسية لنهاية رحلتنا معاً، وهو "أن تنجح في عالم البورصة"، وخلال محطات رحلتنا قد نضطر أحياناً إلي ركوب الدراجة، ولو اضطررنا في البداية لركوب "التوك توك"، وأحياناً سنركب السيارة أو القطار أو الطائرة لنأخذ موقعنا بين "البورصجية"، ونصل إلى محطتنا المنشودة من رحلتنا إلي عالم البورصة، وتحقيق الربح الوفير بإذن الله .
د. جيهان جمال
القاهرة – 2009م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق